الخميس، 29 مارس 2012


وراء المتاعب

بقلم: محمد الشرقاوى

الاستاذ الذى رحل.. حزينا


كان بيننا موعد لم يتم ..سبق القدر - كالعادة- احلامنا وتقديراتنا وفاضت روحه ونحن مشغولون بقضاياناالدنيوية .. رحل الاستاذ محسن محمد فى هدوء.. وهو الذى كان يهز مؤسستنا على مدار الساعة وهو فى مكتبه او حتى وهو خارجه .. رحل حزينا لان المؤسسة التى انقذها من عثرتها لم تكن وفية معه بالشكل الذى كان يجب ان يحدث.. تنكر له اقرب الذين اعطاهم فرصة النجاح من بعده .. وعاش سنواته الاخيرة كابتا احزانه من تلاميذه الذين لم يوقروه عندما فقد سلطته وترك منصب رئيس مجلس ادارة المؤسسة التى نعيش فيها حاليا.. وقد كان هذا الحزن يظهر فى الحوارات التى كان يدلى بها للصحفيين وان كان مقلا فيها بشكل عام
اجرت معه زميلتى الاستاذه حنان خيرى نائبة رئيس تحرير جريدة الرأى حوارا قبل عدة اسابيع ..وكان مالم ينشر اكثر مما نشر بناء على رغبته .. فقد تحدث معها كثيرا عن اشياء كثيرة احزنته.. وكانت نصيحته لها : لاتتعبى نفسك فالمناخ الان لايسمح بالنجاح ومن الافضل للانسان ان يؤدى عمله فقط ولايتطلع الى الكثير
قال لى ذات مرة ..مثلا مازلت اتذكره هو: كلما قلت توقعاتك قل ما تلاقيه من خيبة الامل.. كانت اشهر معاركه مع الدكتور على لطفى وقت ان كان رئيسا لمجلس الشورى.. الذى كان يستعد لاجراء تغييرات صحفية فى المؤسسات القومية وكان الاستاذ محسن اول المرشحين لمغادرة منصبه .. كتب يومها مقاله الاسبوعى يوم الخميس يهاجم الدكتور على لطفى بضراوة.. وكانت ضجة صحفية كبيرة فهذه اول مرة يهاجم فيها رئيس مؤسسة قومية مالك هذه المؤسسة وكان هذا المقال سببا فى تأجيل تلك التغييرات .. يومها كانت المؤسسة منقسمة: الجزء الاكبر مع الاستاذ محفوظ الانصارى رئيس تحرير الجمهورية ..والباقى معه وفى مقدمتهم الاستاذ سمير رجب الذى كان رئيسا لتحرير المساء .. وتولى بعده رئاسة المؤسسة .
فى اليوم الذى نشر فيه هذا المقال .. تعمد ان يخرج من مكتبه ليلتقى بالصحفيين ليرى انطباعاتهم عن المقال القنبلة.. كان يمشى واثقا وكنا نحن نعيش القلق كله فلم يسبق ان شاهدنا معركة بهذه القوة ولما سألنى عن رأيى قلت ان المقال ركز اكثر على مسائل شخصية فقال :انا متعمد ذلك لان الدكتور على لطفى يصفى حسابات شخصية.. وظللنا طوال ذاك اليوم ننتظران يصدر قرار باقالته او بيان بالرد عليه لكن مؤسسة الرئاسة تركت الوقت يمضى دون ان تحرك سا كنا .. لكنها فيما بعد حسمت الامر لصالحة وتأجلت التغييرات وتحقق ماكان يريده وجاء الاستاذ سمير رجب ليخلفه فى رئاسة المؤسسة الذى عاش نفس الظروف وتنكر له الكثيرون بعد مغادرته المنصب .. وكأنه مكتوب على كل الذين يحققون انجازا فى مؤسستنا ان يتنكر له الذين يأتون من بعده

كان يبدأ يومه مبكرا بالاطلاع على الصحف العربية والانجليزية التى كان يجيد لغتها ويقطع بعض صفحاتها ويعلم بقلمه الاحمر على موضوع معين ويرسله الى االصحفى الذى كان يرى انه يستطيع تنفيذه على الواقع المصرى.. فى ذاك الوقت كان يحب الصحفى الذى يجيد لغة اجنبية .. واظنه كان سيقدر الصحفى الذى كان يجيد استخدام الانترنت الذى اكتشفه العالم فى السنوات التى اعقبت خروجه من رئاسة المؤسسة.. فقد كان رحمه الله تواقا الى التجديد والتطوير ..
ذات يوم ارسل الى نسخة من مجلة النيوزويك مفتوحة على صفحة رقم 26 وبقلمه الاحمر وضع دائرة على كلام الصور فى الصفحة .. وكتب فى طرف الصفحة عدة كلمات مازلت احفظها حتى اليوم هى: فى هذه الصورة درس فى الصحافة .. اكتشفه بنفسك لمناقشتى فيه.. وظللت طوال اليوم اترجم الصفحة كلها واسأل زملائى فى القسم الخارجى عن كل الاحتمالات الممكن معرفتها قبل ان ادخل مكتبه وكذلك كان يفعل مع الكثيرين .. وكان يسعد بكل من يهتم بالتعلم والابتكار .. ويومها كان الدرس الصحفى الذى ابتسم وانا اشرح له كيف توصلت اليه هو: كيف يختار الانجليز الصورة المعبرة.. وكيف تشرح كلماتها القليلة معلومات تضيف الى الموضوع معلومات للقارئ
اظن ان الدروس التى تعلمناها منه كثيرةتستحق ان تصدر فى كتاب تكريما لرائد صحفى قدم الكثير للمهنة التى كان يجب ان يحصل منها على تكريم يليق به
رحمه الله واسكنه فسيح جناته

ليست هناك تعليقات: