الثلاثاء، 24 مايو 2016

9مشاهد.. من رحلة العمر

علي قدر ماسافرت في أرض الله الواسعة .. وزرت العديد من دول العالم من المغرب والجزائر وتونس غربا حتي سوريا ولبنان والعراق شرقا مرورا بكل دول الخليج .. الي امريكا وأوروبا وتايلاند وشنغهاي..الا أن رحلتي الأخيرة لأداء العمرة تبقي هي الأهم والأروع والأفضل علي الإطلاق ..فبعدها تشعر بأهمية الحياة التي وهبها الله لك وبأنك قد ولدت من جديد..حياة ثانية تشكر الله سبحانه وتعالي أن منحها لك.. علي أمل  أنه غفر لك ماتقدم من ذنبك بعد دعواتك بالدموع بأن يفتح لك أبواب رحمته.. وأن يغفر لك ولأهلك وأحبابك كل الذنوب.. وأنت تدخل بقدمك اليمنى من باب الحرم المكي.. بادئا مناسك العمرة بالطواف حول الكعبة المشرفة والسعي بين الصفا والمروة قبل أن تزور الرسول صلي الله عليه وسلم ,وتصلى بمسجده فى المدينة المنورة ..في رحلة استغرقت عشرة ايام وكأنها العمر كله.. وتعود الي أرض الوطن بمشاهد لايمكن أن تمحي من الذاكرة حتي تنقطع بك أسباب الحياة ..وهي مشاهد كثيرة أجملها في تسعة:
أولا:البداية
[ تأخذنا الحياة وتضيع أيام العمر في صراعات العمل والسباق من أجل النجاح والحصول علي الامتيازات في الدنيا .. وننسي أو نتناسى أشياء كثيرة..  فالصلوات كثيرا ما نتكاسل عن أدائها فى موعدها .. والزكاة نادرا ما نتذكرها ..وعندما تقترب رحلة العمل من نهايتها ويكون عليك  أن تترك موقعك.. تتذكر أنك نسيت نفسك ولم تعط الله حقه عليك ..لقد دعالك كثيرا الي الصلاة والزكاة والصيام وزيارة بيته .. وكنت تتحجج بضيق ذات اليد حينا..  وبالإنشغال بالعمل والنسيان أحيانا أخرى ..لكن الآن توافرت الأموال وخفت المسئوليات .. وصار بإمكانك أن تفعل أشياء كثيرة كان يأخذها العمل منك .. لامفر إذن من مراجعة النفس الامارة بالسوء .
 يالها من سنوات طويلة طواها الصراع على تحقيق مكاسب زائلة  .. من المؤكد أن ذنوبا كثيرة إرتكبتها بقصد أو عن غير قصد ..فى مقدمتها عدم الإلتزام بالصلاة فى مواعيدها  وهى عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ..وبعض سفرياتك كانت فى شهر الصيام ولم تلتزم فى معظم الأحيان  بالصيام الذى كتبه الله عزوجل علينا كما كتبه على الذين من قبلنا ..وحتى الرخص التى منحنا الله عزوجل إياها لم نستغلها ..فقد شغلتناهموم الدنيا عن أداء الصيام فى أيام أخر لمن كان مريضا أو على سفر .. الآن كل هذه الحجج لم تعد مقبولة .. ولك أن تحمد الله على أنك عشت الى هذا العمر ومنحك الفرصة لأن تعود اليه قبل أن يصل اليك ملك الموت ..
هى العمرة اذن .. وزيارة بيت الله الحرام والبكاء على أستار الكعبة إستغفارا وطلبا للرحمة  والمغفرة لى ولاسرتى وأقربائى وأحبائى .. ومصر التى ودعناهاوهى أحوج ماتكون إلى أن يأخذ الله بيدها للخروج من أزماتها.. لتعود آمنة مطمئنة  ويدخلها الجميع بسلام آمنين

ثانيا :  1,4 مليون معتمر مصرى:                                                    
يوم 3أبريل 2016 ..قال يحيى راشد وزير السياحة المصرى إن عدد المعتمرين هذا العام زاد بنسبة 20 % عن العام الماضى.. كان عددهم  قد وصل الى ما يقرب من 900 ألف.. وبنهاية العام يصلون إلى مليون و400 ألف معتمر
ياله من رقم كبير .. كل هؤلاء يسارعون الى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض ..ياله من شعب طيب ومدهش .. يأكله الفقر ويسعى للتوفير من لقمة عيشه ليذهب الى ربه يشكو اليه ضعف حيلته وهوانه على الناس  .. راجيا من الله تعالى أن يفتح له أبواب رحمته وأن يرزقه من حيث لايحتسب  كما وعدنا سبحانه وتعالى

ثالثا:فى مطار القاهرة
صلينا الفجر  وقبل السادسة صباحا كنت فى المطار  .. القاهرة فى الصباح رائعة .. تشم رائحة الربيع الذى يأتى فى أوانه رغم كل الصعاب..السيارة تقطع الطريق بسرعة لايعطلها زحام النهار .. وتطلع علينا الشمس رويدا رويدا ونحن فى الطريق الى مطار مخصص
 للمعتمرين .. ساعتان فى المطار أمام إجراءات أمنية دقيقة .. لكن أحدا لايتذمر لانها واجبة بعد حوادث مريرة تسببت فى مشاكل للدولة مع السياحة العالمية التى اثرت بشكل صعب على الوضع الاقتصادى فى بلادنا .. وقيل لنا إن هذه الإجراءات سنواجهها أيضا عند الوصول الى جدة .. وفى أى مطار نصل اليه أو نغادره ..
يا الله امنحنا الصبر والصحة على أن نتحمل مشاق أداء العمرة
رابعا:أركان العمرة
بملابس الإحرام البيضاء والوجوه المشرقة بنور ربها .. أنهينا إجراءات المغادرة ..وجلسنا نستمع الى مشرف الرحلة وهو ينصحنا ونحن فى طريقنا الى الكعبة المشرفة .. قال: حدد الفقهاء ثلاثة أركان للعمرة لا تصح إلا بها، وهي: الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة. أما واجبات العمرة فهي: أولاً: الإحرام من الميقات ..وهو بالنسبة للمصريين منطقة رابغ - وتبعد عن مكة المكرمة 183 كيلومترا - وقبل الوصول اليها ينبهنا قائد الطائرة أن نستعد لاننا نقترب من الميقات .. وثانياً: التجرد من المخيط بالنسبة للرجل .. وثالثاً: الحلق أو التقصير بعد أداء العمرة
خامسا: الإحرام
عند الميقات نوينا الإحرام قائلين: لبيك الله بعمرة .. وبذلك تبدأ المناسك :ويردد المعتمرون بصوت مسموع عدا النساء فلا تسمع أصواتهم : لبيك اللهم لبيك.. لبيك لاشريك لك لبيك.. إن الحمد  والنعمة لك والملك  لاشريك لك. . ويستمر وقت التلبية حتى بداية الطواف ويقول المشرف لنا انه بعد الإحرام من الميقات يحرم على المعتمرأشياء كثيرة منها إزالة شئ من الشعر أو الأظفار وإذا حدث أى شيئ من ذلك دون قصد أو عن نسيان فلا شئ عليه.. ولايجوز للمحرم التطيب ولا تغطية الرأس ولا النكاح ..ولا التعرض للصيد البرى بأى أذى ولاقطع شجر أو نبات ويجوز للمحرم أن يلبس الخاتم والساعةوالنظارة والحزام بشرط الا يكون مخيطا وهو المفروض فى ملابس الإحرام .. حيث تكون بالكباسين أو الدبابيس
سادسا : فى مطار جدة
قالوا لنا إننا سنقضى وقتا طويلا حتى نخرج من مطار جدة نظرا للزحام الشديد من المعتمرين ..وهذا الزحام  سوف نواجهه فى الكعبة المشرفة..وكان من حظنا أن طائرتنا  مصر للطيران هى الوحيدة التى وصلت فى هذا التوقيت .. أو ربما خصصوا لنا صالة لانهاء إجراءات دخول المملكة فى الوقت المعتاد ..فحص الشاب السعودى صغير السن جواز سفرى  وقبل  أن يطبع تأشيرة الدخول التقط صورة لوجهى بكاميرا ملحقة بجهاز الكمبيوتر الذى به كل المعلومات التى تظهر بمجرد المسح الضوئي..  ولم تستغرق بصمة العين ولا التاشيرة غير دقيقة أو أكثر قليلا ..لكن الزحام الحقيقى كان فى الكعبة المشرفة

سابعا:على أبواب المسجد الحرام
قطع الأتوبيس المسافة بين المطار والفندق الذى يقع بالقرب من الحرم المكى فى أقل من الساعة ..كل شيئ فى المملكة منظم بدقة وهذا واضح من المطار حتى اجراءات التسكين بالفندق .. وبعد ساعة تقريبا إلتقينا فى بهو الفندق لنذهب سويا لإداء العمرة ..إنطلق آذان المغرب ونحن فى الفندق وكانت السماعات أو الميكروفونات تنقل صوت المؤذن من الحرم الى كل أرجاء المول الضخم الذى يحوى عدة فنادق  .. وبسرعة مدهشة أغلق الجميع محلاتهم  وافترشوا الأرض التى كانت تلمع من نظافتها وانتظم الجميع فى أداء صلاة المغرب ..وبذلك إمتدت الساحة الخارجية للمسجد الحرام لتشمل أجزاء كبيرة من المول التجارى الذى إمتلأ عن آخره بالمصلين من مختلف جنسيات الأرض..وهرولنا جميعا بعد الصلاة الى الحرم المكى لنطوف ثم نسعى بين الصفا والمروة ..
 وكانت المفاجأة أن  رجال الشرطة عند باب المللك عبد العزيز يمنعون الناس من الدخول لأن المسجد ممتلئ عن آخره ..وهو نوع من التنظيم لايسمح بدخول مصلين أو مطوفين إلا بعد خروج من بالداخل حتى لايؤدى الزحام الى تكدس يتسبب فى حوادث أليمة ..أشار قائد مجموعتنا إلينا بالذهاب الى باب آخر فى محاولة للدخول وكان الوضع مماثلا وظللنا نمر على كل الأبواب حتى وجدنا بابا يسمح بالدخول ولكن للصعود الى الجسر العلوى ..وكان علينا أن ندخل بالقدم اليمنى ونحن نقول باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .. يارب إفتح لى أبواب رحمتك ووفقنا وارحمنا وقنا عذاب النار ..  وشرعنا فى الطواف بعد (الإضطباع ) أى الكشف عن الكتف الأيمن .. الطواف سبعة أشواط  والبداية بالحجر الأسود الذى منعنا الزحام الشديد من الوصول اليه .. واكتفينا بالاشارة اليه قائلين :الله اكبر.. ثم بدأنا الأدعية وقراءة القرآن  دعونا الله لنا ولأسرتنا ولأحبتنا وكل المسلمين ..ومن السنة أن يقول المعتمر اثناء الطواف بين الركن اليمانى والحجر الأسود:ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. ومن السنة أيضا الإسراع فى المشى مع تقارب الخطى فى الأشواط الثلاثة الأولى
بعد إنتهاء الطواف .. يتم تغطية الكتف الأيمن ..ثم صلاة ركعتين خلف مقام ابراهيم  عليه السلام فان لم يتيسر فيمكن الصلاة فى أى مكان من المسجد الحرام..ومن السنة أن يقرأ المعتمر فى الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون .. ويقرأ فى الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الاخلاص .. وإن قرأ غيرهما فلا بأس فى ذلك
ثامنا : الصفا والمروة
خرجنا الى الصفا والمروة للسعى سبعة أشواط .. بعد  أن شربنا ماء زمزم ونحن نلهج بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن يمحنا الصحة والستر وأن يوفق أبناءنا وإخوتنا وبلادنا الى مافيه الخير .. بدأنا من الصفا  بما بدأ به الله عزوجل قائلا :إن الصفا والمروة من شعائر الله .. وقفنا مستقبلين الكعبة نحمد الله تعالى  ونكبره ثلاثا وندعوه رافعين أيدينا قائلين:لا اله الا الله وحده  لاشريك له له الملك وله الحمد  وهو على كل شيئ قدير.. لا اله الا الله وحده.. أنجز وعده ونصر عبده  وهزم الأحزاب وحده .. كررنا هذا الذكر ثلاثا ثم دعونا بما يفتح الله علينا به من أدعيه.. ثم نزلنا من الصفا  متجهين الى المروة ونحن ندعو لأنفسنا ولأهلنا  وللمسلمين .. وعند العلم الأخضر يركض الرجال  دون النساء حتى يبلغ العلم الثانى فنمشى كالمعتاد الى أن نصل الى المروة ..  حيث نستقبل الكعبة ونقول ماقلناه من الذكر عند صعود الصفا  دون قراءة الآية ..وندعو الله بما يفتح به علينا  ونمشى حتى العلم الاخضر فنركض حتى العلم الثانى .. ثم نكمل المشى كالمعتاد  حتى نصل الى الصفا  وهكذا نستكمل الىسبعة أشواط  فيكون السعى من الصفا الى المروة شوطا  والرجوع من المروة الى الصفا شوطا آخر.. ولاحرج هنا إن كان الساعى مرهقا أو حالته الصحية لاتحتمل أن يسعى راكبا العربة الصغيرة.. بعد إتمام السعى صلينا ركعتين شكرا لله الذى مكننا من أداء العمرة داعينه أن يتقبلها خالصة له سبحانه وتعالى.. ثم بعد ذلك يحلق المعتمر شعر رأسه وبذلك تنتهى أعمال العمرة  ويحل كل شيئ حرم  عليه بالاحرام
 وانتهى اليوم الأول .. وبقينا فى مكة المكرمة عدة أيام نصلى كل الصلوات فى المسجد الحرام  وندعو الله أن يمن علينا وعلى احبائنا بالصحة والستر وأن يخرجنا من هذه الحياة سالمين.. حتى جاء وقت الذهاب الى المدينة المنورة أدينا طواف الوداع بعد الفجر حيث تمكنا من الدخول الى الحرم المكى وكان الزحام قد خف قليلا .. لكن الكتل البشرية لم تمكننا من لمس الكعبة وإن كنا على مسافة قريبة جدا منها .. لكنه زحام المحبين المشتاقين إلى المولى عز وجل ثم صلينا ركعتين قبل أن نغادر الكعبة فى طريقنا الى المدينة المنورة التى أخذ الطريق اليها خمس ساعات تقريبا بالأتوبيس .. وهناك عشنا أياما فى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
تاسعا : المدينة المنورة
بدت لنا أنوار المآذن تتلألأ من بعيد ونحن على مقربة من دخول المدينة المنورة والشمس تغيب ليبدأ الليل المضاء بأنوار مسجد المصطفى .. دقائق معدودة وضعنا خلالها أمتعتنا بالفندق.. وهرولنا الى ثانى الحرمين الشريفين( المسجد النبوى الشريف) لنصلى العشاء ..فالمدينة مثوى النبى الكريم  وفيها مسجده الذى هو أحد ثلاثة مساجد لاتشد الرحال إلا اليها كما قال صلى الله عليه وسلم : لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام  ومسجدى هذا والمسجد الاقصى.. والصلاة فى مسجد رسول الله خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام..  فالصلاة فى المسجد الحرام بمائة الف صلاة
دخلنا المسجد النبوى بالقدم اليمنى قائلين:باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..اللهم افتح لى أبواب رحمتك .. ثم صلينا ركعتين تحية المسجد ونظرا للزحام الشديد لم نتمكن من أداء الركعتين فى الروضة( مابين قبر النبى ومنبره) ولهذا كانت الصلاة فى أى مكان بالمسجد  ذهبنا الى قبر النبى وقلنا : السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ..اللهم صل على محمد وآته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذى وعدته .. اللهم إجزه عن أمته أفضل الجزاء.. ثم نتحول قليلا الى اليمين لنقف أمام قبر أبى بكر الصديق رضى الله عنه ونسلم عليه وندعو له بالرحمة والمغفرة  ونفس الشيى أمام قبر عمر بن الخطاب  رضى الله الذى يجاوره
بعد ذلك  نزور قبور أهل البقيع التى تضم العديد من الصحابة ومنهم الخليفة الثالث عثمان ابن عفان
وفى اليوم التالى قمنا بزيارة قبور شهداء أحد ومنهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنهم وقد علمنا الرسول أن نقول عند زيارة القبور :السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية
من السنة أيضا زيارة مسجد قباء - أول مسجد فى الاسلام - والصلاة فيه حيث قال الرسول : من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة 
وقضينا عدة أيام فى المدينة النورة نصلى كل الأوقات فى المسجد النبوى ..حتى جاء يوم الرحيل والعودة الى الوطن فذهبنا الى المسجد النبوى لنصلى ركعتين لله شكرا ونستأذن  فى مغادرة الأراضى المقدسة عائدين الى أرض الوطن ..داعين أن يمنحكم الله عزوجل الفرصة  للفوز بمثل هذه العمرة.والحج بإذنه تعالى.




 []