الأربعاء، 14 فبراير 2024

50 عاماً ذهبية من الدروس الصحفية.. يوثقها الكاتب محمد علي السيد

لديه ذاكرة تجذبك من أول كلمة .. وتجعلك تعيش في قلب الحكاية التي يسجلها ببراعة يُحسد عليها..إنه الكاتب الأستاذ محمد على السيد الذي أعادني بكلماته المعبرة إلى ٥٠عاماً مضت من عمرنا .. وهو يتحدث عن كلية الإعلام بجامعة القاهرة التي تخرجنا فيها عام 1977 وعن مهندس الصحافة الراحل جلال الدين الحمامصي الذي علم جيلا من الصحفيين قادوا صحفا ناجحة .. وكان هو أحدهم حيث كان مديراً لتحرير مجلة آخر ساعة لمدة 16 سنة يصف محمد على السيد بدقة متناهية لحظة الحضور المدهش للأستاذ الحمامصي إلى مبنى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حيث كانت تستضيف طلاب الإعلام 23سنة (72 - 1995) ثم المبنى المستقل الحالي..يقول :الثانية و 45 دقيقة عصر الثلاثاء (شتاء (1973) أول سلالم مدخل كلية السياسة والاقتصاد، سيارة فيات 128 صغيرة سوداء بدائرتين بالأحمر شعار واسم مؤسسة أخبار اليوم، يهبط من كرسيها الخلفى أستاذنا جلال الدين الحمامصى (13- 1988) مهندس الصحافة المصرية أحد ستة رؤساء تحرير لجريدة الأخبار اليومية وأستاذ مادة الصحافة الذي يشربنا بملعقته الذهبية المنمنمة فنون المهنة التي نحلم بممارستها . تسبقه بسمة تفاؤله المتسعة بأسنانه البيضاء اللامعة ووجهه الحليق المنتعش بملابسه الشبابي (كاجول) بنطلون وقميص سماوى وبلوفر أزرق داكن براق يرخيه على ساعده الأيسر ممسكا بأجندة صغيرة وقلم شيفر فى جيب قميصه (أصبحت علامة تعارفنا في أرجاء القاهرة والمواصلات والأماكن العامة والمؤسسات الحكومية والصحفية التي بدأنا التدريب العملى بها) بمقولته : (لكل رئيس تحرير تأثيره النفسي على محرريه) وحسمه لنا بحتمية حمل الصحفى قلما وأوراقا في جيبه تحسبا لأي خبر أو حدث أو مسئول تلقاه في أي وقت ومكان اعتدناها حتى 2000م عندما استخدمنا الكمبيوتر واللاب توب والآي باد والتليفون المحمول في الكتابة والتصوير. إذا وصل الأستاذ جلال قبل أو بعد ذلك فساعة معصمك تحتاج إعادة ضبط .. فتشربنا الحرص على المواعيد لأهميتها في المهنة المفضلة على كل أمورحياتنا. أمامه 3 خمسات دقائق أولها في السكرتارية يسار المدخل.. يرد تحية الكثيرين يخاطب معظمهم بأسمائهم بفرحة شطارة أبوية وإحساسهم بتميز مبكر. في الثانية يتقدم إلى اليسار وباب قاعة 2 يهبط بهدوء سلمها النازل وسط تداخلات الطلبة والطالبات ودهشة بعضهم .. يوزع ابتساماته ذات اليمين واليسار حتى يصل منصة القاعة. يستهلك الخمس دقائق الأخيرة في ضبط البلوفر والأجندة وعلبة سجائره (روثمان) والولاعة الذهبية ويجلس ويقترب هامسا في الميكروفون: « نبدأ بقى ويندلع هرج لحظى بالتسارع للمقاعد ثم صمت وشخوص العيون، فيبدأ لقاؤه الأسبوعي لكل بـ الدفعات (الأولى والثانية بالاختبار الشخصى لمعهد الإعلام والثالثة وكنا أول دفعة تنسيق جامعي لكلية الإعلام 1973) .. خاصة متلهفي الصحافة ، يشربنا خبراتها. في الثالثة و 45 دقيقة يتخلص من تشابك حواراتنا يقترب من الميكروفون: «نستريح شوية». ويشعل سيجارته مستريحا على مقعده يتحلق حوله مريدوه من متميزى العمل في صحيفة صوت الجامعة(معظمهم أصبحوا نجوم المهنة) يعود للمحاضرة في الرابعة.. وبعد 45 دقيقة:مش كفاية كده) ويجمع حاجياته مشتبكا مع محيطيه يتقدمهم بهدوء وترتيب زمنه عائدًا نفس المسار حتى يجلس في العربة التي تغادرنا في الخامسة تمامًا. ..نموذج الصحفى المثالي يرسخه في عيوننا صدى كتابه (الصحيفة المثالية) أحسده عبر الزمن على طولة باله، تسامحه، صبره على رعونتنا (سن (19) ونرجسياتنا الواهية (أحد أساتذتنا العظام كان يضجر من جهالة بعض أسئلتنا فيشيح بكفه زاعقا .. اقعد .. اقعد .. ههههههه) استغرق عاما دراسيا يعلمنا كتابة مقدمة الخبر..في أقل سطور... يليها فقرة التذكرة لملخص واف مكثف لسابق الأحداث بفرضية أن القارئ لم يقرأها أو نسيها. ثم تدرج المعلومات ليكون أضعفها أسفلها فيسهل اختصار أسطره الرصاصية في المطبعة. (كتابه من الخبر إلى التحقيق الصحفي) حتى أتقناها وأحدثنا ثورة صياغة في إصدارات مؤسسة أخبار اليوم (أخبار اليوم – الأخبار – آخرساعة) ويتحدث محمد علي السيد عن تجربة صدور الجريدة الأسبوعية (صوت الجامعة) وممارستنا العملية لكل مراحلها وأخطرها توزيعها على أبواب الجامعات والكليات .. حيث كسرالحمامصي حاجزا ضخما في تفاعلنا الميداني وسط الناس وحصولنا الآمن على المعلومات..وأوصانا بدخول صالة تنفيذ الأخبار وتعلمنا أن عامل جمع مادة النشر بخط يد محرريها يلتقط الكلمة الأقرب لرؤية عينه وذهنه ويتولى أخطاءه قسم التصحيح اللغوى، فيضاف دقائق لجمعها ورصها فى مستطيل الصفحة التي تنتظر موافقة التصحيح والطبع، فحرصنا على توضيح خطوطنا خاصة الحروف الملتبسة (عين - غين مثلا) ورسم المصطلحات والترجمات كان هناك عمال جمع مخصصين لكباركتابنا أصحاب الخطوط الصعبة.. وواصلنا مع الكمبيوتر في تغيرات النقل من جهاز لآخر ومن نوع خط لغيره. ومن دروسه التي لم ننسها في حياتنا المهنية : - غير مسموح للصحفى أن يقول ما أعرفش - ما قدرتش - ما لقيتش وتبادرلمعرفة ما لا تعرفه والوصول للمطلوب وتنفذ الموضوع مهما كانت المصاعب. - تعامل مع صحيفتك ومجلتك وموضوعات زملائك كأنها لك، لترفع من شأنها ومن اسمك بها. - نفذ أرشيفك الشخصي لموضوعاتك المنشورة تساعدك في تتبعك لتطورات الأحداث وتجميع لكتاباتك التي لن يهتم بها أحد مثلك. - درج أسود مغلق على يسار مكتبك لوثائق سلبية ضد مصادرك قد لا يتسع المجال لنشرها الآن وقد تحتاج نشرها يوما. - سؤال امتحان نهاية العام .. ما هو مانشيت العنوان الرئيسي لصحف اليوم، فنحرص على قراءتها يوميا - لكل تحقيق صحفى خطه .. في التنفيذ والكتابة... وتحديد مصدر معلوماتك الرئيسي كتاب .. التحقيق الصحفي - رئيس التحرير الشاطر .. تعمل صحيفته في غيابه كأنه موجود (فسرتها، بتنفيذ موضوعاتي دون إشغال رؤسائي بتفاصيلي.. أسلمه كتابة وصورًا) - ليس من حقك جعل إنسان في وضع اتهام ولو 24 ساعة هي الفارق بين طبعة جريدة بها خبر إدانته وطبعة اليوم التالي بالتأكد من براءته. قاوم رغبة السبق الصحفى لصالح دقة معلومتك وتكلفنا الكثير من الجهد. - ادخل أي مكان لعملك بثقة بيتك لا تتلفت ولا تستفسر إلا وأنت في الداخل (واقعة زميلنا أحمد عثمان قسم إذاعة وتليفزيون من ميت أبو الكوم قرية الرئيس السادات ويقضى بها بعض أيام الصيف فتأنق ووجده الأستاذ تحسين بشير السكرتير الصحفى للرئيس واقفا أمامه يطلب حوارا مع الرئيس فذهل كيف دخلت هنا رغم إجراءات أمن الرئاسة وتأكدوا من هويته بالاتصال بالأستاذ جلال وأعجبوا بجراءته واتفقوا على حوار لصوت الجامعة نشر بالتزامن فى الصحف اليومية الثلاث أجراه الزميلان النجمان عماد أديب وعمرو عبدالسميع. - أنت صاحب اليد العليا على المصدر فلولا ذهابك له والكتابة عن نشاطه ما درى به أحد. - خبر بأن الرئيس السادات من هليكوبتر فوق الصحراء الغربية يأمر بحفر بئر بترول في منطقة ما .. يصحح الصياغة بأن الرئيس وافق على تقريرالخبراء .. فالرئيس لا يعرف كل شيء. - لا بد من السيطرة على المصدر بأن تكون الأعلى، بمعلوماتك وذكاء أسئلتك وقوة إدارتك للحوار ولاينسى محمد علي السيد كثيرا من تفاصيل تلك السنوات الذهبية ابتدأء من د. عبد الملك عودة.. عميد الكلية .. ودرس د. خليل صابات أستاذ الصحافة تأييده لوجهة نظر الرئيس السادات بتوزيع المؤسسات الصحفية أهرام - أخبار اليوم - الجمهورية) على الأحزاب السياسية الثلاثة الناشئة منتصف السبعينيات ثم ما طرحه أستاذنا أحمد بهاء الدين من جعلها مؤسسات قومية وتتولى الأحزاب إصدار جرائد جديدة برؤيتها وأسلوبها وحريتها وقبول. د. صابات للرأى الوجيه الجديد وأعتبر مقالا بالأهرام صباح الأحد بديل محاضرته. وتعلمنا شجاعة التنازل عن الرأى عند ظهور الأصح وتقوينا برأى بهاء الدين الذي بمجرد مقال غير وجهة نظر رئيس الدولة .. الشجاع أيضا في قبوله قوة حجة أستاذنا بهاء الدين. - د. جيهان رشتي أستاذ الإعلام .. نظرية الاتصال حوار مستمر بين راسل ومرسل ورسالة ومتابعة رب الفعل ولا بد من تأكيد حسن وصول المعنى بين الجميع بتدقيق الرسالة. - د. مختار التهامي.. تحليل مضمون الخبر لحسم موقفك الإعلامى سياسيا ولفظيا .. من شاب فلسطيني فجر نفسه بمقهى إسرائيلي. هل تكتبه شهيدًا بالرأي الفلسطيني .. أم إرهابيا بالقول الإسرائيلي أم انتحاريا حسب إذاعة البي بي سي البريطانية أم استشهاديا برأى الإعلام . الإيراني - د. حامد ربيع .. ودراسة الطابع القومي للشخصية المصرية فيقرب مسافات التعامل الميداني مع الناس في الحواري والشوارع والقرى والمدن. - د. بطرس غالى .. أستاذ السياسة أمين عام الأمم المتحدة (92 - 1997) .. الاهتمام بأفريقيا مجالنا السياسي الحيوى. - د. إمام عبد الفتاح إمام (أستاذ الفلسفة) أرتدى قلنسوته .. بتخيل ارتداء غطاء رأس الطرف الآخر لتفكر بعقله وترى بعيونه فتفهم مبرراته ودوافعه لتصل لرأى منطقى محايد. - التعميم الخاطئ أهم وأخطر سمات رجل الشارع العادي فتحسب في خبر عن تصرف أخلاقي لفنان يفسره بانفلاتهم الأخلاقي أو فساد مسئول أوسیاسی فيراهم جميعا منحرفين - د. حسن حنفى أستاذ الفلسفة .. ثلاثة أسئلة فقط في الامتحان تجيب عن اثنين لبتر تردد . الأسئلة..تعامل مع مادتی بلا خوف .. الراسب عندي تقديره مقبول (هههه) - د. عواطف عبد الرحمن .. والمبادرة بأبحاث تدخلنا مكتبات السفارات العربية والأجنبية والمنظمات الدولية ليتسع مجال معرفة ممنهجة وشجاعة على الأماكن - د. إجلال خليفة .. تنصحنا بالجلوس في المقاهي الشعبية نستمع لكلام الناس ونرصد النكتة المصرية التي تكشف ما تحت سطح وجدان المصريين. .. وفي كتابه الجديد :الحفرعلى خشب الكافيه يروى محمد علي السيد ماتعلمه خلال عمله بمؤسسة أخبار اليوم ومن الأساتذة الكبار في مهنة البحث عن المتاعب قائلا : موسى صبرى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم متأنقا ببدلة كتان فرنسي شديدة البياض في غرف التوضيب المشبعة بالحبر الأسود يمناه على الحات بقلم شيك ويسراه بسيجارته الأجنبية على منضـ التجهيز لا يشغله إلا دقة وسرعة الشغل قبل المو المقدس لدوران المطبعة وأنا مرعوب على البدلة - يناقش اجتماع التحرير فى حرف جر بموضوع أربع صفحات من حجم آخر ساعة القديم (4آلاف كلمة) - بلاش المصادر الموضة (المتكررة السهلة) ابحثووقدموا وجوها جديدة. - اشرح فكرتك للمصور ليلتقط صورا معبرة فهونصف عملك. - حاوروا الأستاذ فلان واقرأوا كتاب كذا واحصلواعلى الدراسة الهامة ويتابعنا في الاجتماع التالي. - ينزل بنفسه لتغطية حادثة كبيرة يشارك كل أعمار وخبرات الصحفيين لا يبالى إلا بتفرد عمله. - إعلانه منتصرا يوم موافقة مجلس الإدارة على إلغاء التوقيع لبعد 15 سنة خبرة فهي تكفى ليصبح عمله ومسئولياته. الصحفى جزءًا من نسيج المؤسسة ويعرف طبيعة عمله ومسئوليته - ألا يترك الصحفى المؤسسة إلا بالوفاة أو بناء على طلبه، فالصحفى تتوهج خبرته مع الأيام. - وجدي قنديل رئيس تحرير مجلة آخر ساعة. تهتم الصحف اليومية بمشاكل الأرز والمكرونة والعدس والبصل ولا بد من تغطيتها في المجلة الأسبوعية فينبهنا أنها تتجمع في طبق الكشرى (من أجمل موضوعاتي). وكيف نغطى حدثا وقع عقب طبع المجلة ننشره في العدد التالى بعد عشرة أيام، بالبحث عن المعلومات والوقائع التي تصمد هذه المدة، (وهو أمر لو تعلمون عظيم). - - لا تنتظر أن يوجهك أحد في عملك نفذ بمسئوليتك كأحد أركان المجلة. - مصطفی شردی (مدير تحرير آخر ساعة): الموضوع الصحفي يخرج من يدك كأفضل مايكون وتسلمه وتنتهي سلطتك عليه - فاروق الطويل:أعد قراءة مادة موضوعك قبل النوم يرتبها عقلك تستيقظ وتكتب بسهولة وصفاء - حامد سليمان:لاتكرر اللفظ في الموضوع إلا لضرورة قصوى وابحث عن مرادف مناسب - الفنان العالمي كنعان المستشار الفني لآخر ساعة:اعمل ماعليك بجد وإخلاص وبكرة الناس افهم وتقدر - يوسف إدريس:لاتهتم إلا بالقارئ الذكي الذي يفهم مابين سطورك - صلاح حافظ( روز اليوسف) :وقد تأكدت من كفاءتك الصحفية أصبح عليك مسئولية احترام اسمك لاتضع إلا على مايستحق - محمد حسنين هيكل:تقطيع الفقرة إلى جمل مكثفة سريعة تختص كل منها بكشف وتوضيح نقطة واحدة تكون مع مثيلاتها بنيانا واضحا (هادئ النفس للحدث) - مصطفى أمين:سلاسة الاستحواذ على ذهن القارئ وسط أي ضجيج - صلاح عيسى:توثيق المعلومة نصف قرن من عمر كلية إعلام القاهرة، يرصد الكاتب ما تلقاه من علومها خارطة طريق للصحفي النابه وفي كتابه الذي صدر عن دار المعارف العريقة ضمن سلسلة (اقرأ) يتحدث عن الرئيس محمد أنورالسادات كاتبا صحفيا متمرسا بجريدة الجمهورية و يكشف عمق ثقافته وخبرته السياسية قبل17سنه من منصب رئيس الجمهورية .. وولع "القاموس الجغرافى لمصر" للعبقرى محمد بك رمزى بأصول أسماء المحافظات والمدن والقرى والنجوع واكتشاف مقام سيدى مسلمة بن مخلد بالفسطاط ونبضات قلب الشباب محفورة على خشب منضدة "كافيه"ورحلة إلى "كهف الألباستر " ببني سويف ومغامرة النزول إلى عمق 70 م ونبضة فن ونغم فى سينما داود عبد السيد و موسيقى علي إسماعيل.