الخميس، 14 يونيو 2012

علي مسافة قريبة من الخوف.. واخري اقرب الي الرجاء.. يعيش ملايين المصريين هذه الايام التي تختلط فيها الحقائق بالأوهام والصدق بالأكاذيب.. وكلما اقترب الخوف يلجأون الي الرجاء لعل الله سبحانه وتعالي ان يحميهم من فتنة الدنيا..
الان كل الخيارات مفتوحة.. كل الاحتمالات واردة.. من يظن ان الدنيا تؤخذ غلابا.. لايدري أن الواحد القهار يخطط كل شيء بقدر.. وعنده مفاتح الغيب.. الذين تحمسوا للثورة ظهروا علي حقيقتهم واصبح عداؤهم سافرا.. والذين تربصوا بها اظهروا حماقة غير عادية واصبحوا يجاهرون بصفاقة بانه لم تكن هناك ثورة..
ياربي أنت من تحيي العظام وهي رميم.. فكيف يجرؤ بشر علي ان يدعي لنفسه هذه القدرة.. أخرجوا الموتي من القبور.. وجلسوا يخرجون ألسنتهم للجميع.. يتبرأون من جرائم ارتكبوها ويتباهون الآن بما كانوا يتنكرون له.. كيف وصل بنا الحال إلي هذا الذي نراه.. الناس بدأت تتشكك في انه كانت هناك ثورة.. وأنها كانت مؤامرة.. مع أنه لا أحد ينكر أنه كان هناك فساد.. كيف يستقيم هذا التناقض.. ومن الذي من مصلحته أن نصل إلي الشعور بالإحباط من كل شيء في البلد.
قال صديقي إن أفضل موقف يمكن اتخاذه الان هو الامتناع عن أي نشاط سياسي.. والانتظار حتي لا يضيع كل الجهد المخلص هباء.. هناك تيار يتغلغل في المجتمع هدفه نشر الاحباط العام لكي ييأس الناس ويستسلموا حتي يعود النظام القديم.. ولم اعارض وجهة نظر صديقي.. لأنه عاجلني بسؤال لم اجد له اجابه مقنعة وهو: أين الثوار الآن؟!
فقد كان ظني انهم وصلوا الي درجة من الاحباط اضطرتهم الي الابتعاد قليلا حتي تتضح الصورة.. فقد وجدوا انفسهم خارج الصورة.. ولم يروا امامهم غير نظام قديم يطل برأسه.. وجماعة اجتهد النظام القديم في ان يضعها في دائرة اتهام.. ولا يوجد الان احد من الثوار لم يوجه اليه اتهام.. وصار من فجروا الثورة او شاركوا فيها يعانون من اتهام في قضية هنا اوهناك.
الرجاء الان ان يحمي الله مصرنا من اي سوء.. لا احد يعرف نهاية لما يجري الان.. هناك من يحذر من ثورة اكثر قوة من تلك التي يحاولون وأدها.. ثورة قد تأتي علي كل شئ فلا حل الان الا اقتلاع الشر من جذوره.. هل كانت سلمية الثورة خطأ يدفع الثوار ثمنه الان.. هل كان من الضروري ان تظهر محاكم ثورية في الايام الاولي للثورة للتخلص من كل اذناب النظام الذي يخرج لنا لسانه الان ؟ الم يكن من الافضل لبلادنا ان تتغير تماما بعيدا عن الشعارات التي كنا نسمعها من ان مصر لن تسقط وعرفنا الان انه كان مقصودا ان النظام لم يسقط.. الم يكن من الافضل لنا جميعا ان نختار ما بين التغيير الشامل او استمرار ما قامت الثورة من اجل تغييره.. لقد اقنعونا بان نكون في المنتصف..
الثورات تنفجر من اجل تغيير شامل بأسلوب سلمي او بالقوة.. وها نحن بعد عام ونصف العام نجد انفسنا امام خيار صعب.. ان التغيير لابد ان يكون شاملا والا سنظل ندور في الدائرة المغلقة والقاتلة.

الاثنين، 11 يونيو 2012


            وقائع سقوط (جدارية مبارك) ..فى دار التحرير

                             بقلم :محمد الشرقاوى





كان ذلك يوم 28 يناير 2011 بعد صلاة الجمعة ..وكانت القاهرة تعج بالمظاهرات شأن كل المدن بمختلف المحافظات.. الشباب الثائر كان يأتى من كل مكان يتدفق على ميدان التحرير ..

 مبنى مؤسسة دار التحرير بشارع رمسيس كان علامة بارزة فى هذا الشارع الطويل الذى يؤدى الى ذاك الميدان التاريخى ..
يومها كنت فى الجمهورية ..الجريدة التى عشت فيها ثلاثين عاما وكانت محطة مهمة فى ثورة 25 يناير .. تما ما كما كانت محطة مهمة فى الثورة الاولى يوم 23 يولية 1952 ..

&&&

 فى الثورة الاولى ..اصدرها الزعيم جمال عبد الناصر ليخلد بها الثورة ..وحملت الاسم الذى من اجله قامت الثورة وهو اعلان الجمهورية والقضاء على الملكية التى كانت سببا فى الاحتلال والفساد الذى اصاب مصر .. وكانت الجمهورية منذ ذاك التاريخ صحيفة الثورة التى كتب فيها كبار المصريين ابتداء من عبد الناصر نفسه ومرورا بانور السادات ومشاهير الكتاب والصحفيين ..

تغيرت ازمان وجاءت ازمان وتدهورت الجمهورية ..حتى كادت ان تكون اقل الصحف انتشارا الى ان قفز بهاالاستاذ محسن محمد.. لكنها فى عهدالاستاذ سمير رجب صارت الاقرب الى الرئيس السابق حسنى مبارك وصارت مرتبطة بالحزب الوطنى الذى يرأس تحرير جريدته سمير رجب ايضا.. وتحولت المؤسسة الى بوق دعاية للنظام كله كما كانت كل الصحف القومية تتنافس فى نفاق الرئيس . وجاء الاستاذ محمد على ابراهيم ليكمل مسيرة الجمهورية فى نفس السياق .. وصار اكثر اقترابا من الرئيس.. والوريث الذى كان سبب النكبة لاسرته ودفع الثمن معهم جميعا .



&&&.
كانت الجمهورية قدتحولت منذعهد سمير رجب الى اداة للنظام ..دعا سمير رجب الرئيس السابق الى افتتاح المطابع الجديدة فى المبنى الكبير بشارع رمسيس .. ومن يومها احتلت جدارية ضخمة واجهة المبنى العملاق.. يقف فيها مبارك بقامته الفارعة ويداه المعقودتان باصابعه على بطنه.. ببدلته الانيقة التى كانوا يقولون لنا وقتها انه لايرتدى الا الملابس المصرية ..وكانت هذه البدلة الانيقة شاهدا على انه كان لايرتدى الا الملابس غالية الثمن ومن اكبر بيوت الازياء العالمية كما كانت ام الوريث والوريث يفعلان
ظلت الجدارية بعد زيارة الرئيس السابق لمؤسستنا شاهدا على اننا جزء مهم من النظام .. وعندما غدرت السلطة برجالها وفوجئ قادة المؤسسات الصحفية القومية بان النظام سيأتى بغيرهم سرعان ما ظهرت الترشيحات التى كانت تدور فى نفس الاطار والمناخ .. وجاء الاستاذمحمد على ابراهيم رئيسا لتحرير الجمهورية والاستاذ محمد ابو الحديد رئيسا لمجلس الادارة.. والاثنان كانا يتنافسان فى اثبات الحب للنظام على حساب المؤسسة التى دفعت الثمن غاليا فى الثورة.. ومازالت تدفعه رغم ماحاول شباب الصحفيين ان يثبتوه من انهم مع الثورة.. لكن الناس ابدا لم تنس اشهر مقال او مايمكن ان نطلق عليه اشهر جريمة صحفية فى التاريخ المعاصر( شهيد البانجو )
..
وظلت الجدارية فى مكانها بواجهة المبنى الى ان اسقطها الثوار يوم 28 يناير .. ووضع محمد على ابراهيم مكانها جدارية اخرى فيها صور بعض شهداء الثورة ومنهم خالد سعيد نفسه ..



&&&
كان شارع رمسيس يخلو من اى نشاط او حركة وقت صلاة الجمعة..وبعدهامباشرة تعالت صيحات المصلين وتجمعوا فى طريقهم الى ميدان التحرير كان مسجد الفتح بميدان رمسيس يعج بالمصلين وقوات الشرطة كانت تسد الشارع الكبير لمنعهم من الذهاب الى ميدان التحرير.. وقفت مع بعض زملائى نطل على المشهد من نوافذ الدور التاسع بمؤسستنا ..كانت قلوبنا ترتجف ونحن نرى الجماهير الزاحفة تتجه الى الصدام مع قوات الشرطة التى بدأت تطلق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم.. ثم بدأنا نسمع طلقات الرصاص .. الدموع التى تساقطت من عيوننا كانت مصحوبة بالام شديدة و كنا نبكى على الشهداء الذين سقطوا فى هذه المواجهات.. ولم يمنع تساقط الدموع الا تراجع جنود الامن المركزى وتقدم الجماهير الذين كانت هتافاتهم تهز الاركان : (الشعب يريد اسقاط النظام ).. هتافات كالرعد .. وسرعان ماشاهدنا النيران تشتعل فى مصفحة للشرطة وسط شارع رمسيس وعلى مقربة من مبنى المؤسسة .
الهتافات المدوية باسقاط النظام.. كانت تعلو كلما ازداد عدد المشاركين فى المظاهرة التى كان الناس ينضمون اليها تباعا .. واما م مؤسستنا توقف الالاف الذين كانوا يملأون شارع رمسيس..واخذوا يشيرون الى الجدارية الضخمة للرئيس وهنا تغير الهتاف الى( يسقط يسقط حسنى مبارك ).. هنا ادركت ان الثورة مستمرة لامحالة.. وهذا الشعب لن يعود كما كان ..

 لقد تغيرت مصر فعلا.. .. وكان المشهد مؤثرا للغاية ..الشباب يهتف باسقاط مبارك .. ثم بدأ بعضهم يقذف الصورة الكبيرة للرئيس بالحجارة .. وتعالت الاصوات تطالب بالحفاظ على المبنى ..



&&&

 ونزلنا من الادوار العليا لنحمى المؤسسة من تدميرقد يقع وسط هذا الجو المشحون .. واسرع زملاؤنا بالامن الى اغلاق الباب الحديدى للمبنى حتى لايدخل احد لتدمير الابواب الزجاجية .. وخاصة بعدان تعالت الاصوات التى تهاجم جريدتنا الجمهمورية .. وكنا نتفهم ذلك وندرك ان الحماس قد يدفع بعض المتظاهرين لالقاء الحجارة على المبنى الذى كان بالنسبة للناس احد رموز النظام الذى خرجوا لاسقاطه .. فمن هذه الجريدة خرجت كلمات كثيرة استفزت الناس لم تكن اخرها شهيد البانجو.. ولاوعد فصدق

&&&
جذبنى من يدى زميلى الاستاذ حمدى حنضل.. قائلا لابد ان نقنع هؤلاء الغاضبين والكارهين لاى شيئ يمت للرئيس السابق بصلة باننا معهم . والا سيدمرون المبنى علينا..ورحت انا وهو ومعنا عدد قليل من الزملاء الصحفيين وكثير من زملائنا العمال والاداريين والشباب بأمن المؤسسة ..نهتف (سلمية .. سلمية) ..تجاوبوا معنا .. واتجهوا جميعا بالهتاف الى الجدارية التى كانت على يمين المبنى .. وبدأ الهتاف يتغير . الى( الصورة بس .. الصورة بس ..) وبدأ الشباب يقذف الصورة بالحجارة .. وتحمس بعضهم .. وصعد على ابواب المبنى وجدرانه ليسقط الصورة .. وشعرنا ساعتها ببعض الراحة .. لان الهدف كان اسقاط الصورة التى ترمز للنظام وليس مبنى المؤسسة العريقة التى مازالت تعانى منها حتى الان.



&&&.

 وقفنا جميعا نتابع عملية اسقاط الصورة او الجدارية التى اعادت الى الاذهان عملية اسقاط تمثال صدام حسين ايذانا بسقوط نظامه فى بغداد.. صعد شاب أول الامر من الجهة اليمنى يحاول تمزيق الصورة .. وكانت اقوى من محاولته .. فصعد اخر ليساعده .. وصعد ثالث من الناحية الاخرى .. وفجأة وجدنا عددا من الشباب صعدوا من المبنى المجاور ووقفوا على الصورة .. وبدأوا فى تمزيقها حتى امسك احدهم بطرفها وألقى بنفسه الى اسفل جاذبا الصورة معه ليكتب مشهد النهاية .. والجماهير تصفق وتهتف ..( رجاله.. رجاله ..) ثم يهتفون (يسقط حسنى مبارك ).. و(الشعب يريد اسقاط الرئيس )وربما كانت هذه الهتافات قد سبقت هتافات الميدان.. التى كان سقف مطالبها حتى هذه اللحظه كان اسقاط النظام قبل ان يصبح اسقاط الرئيس.. وتعالت هتافات الجماهير :: الى (الميدان الى الميدان ).. وبدأوا يتحركون وانا معهم الى ميدان التحرير حيث جمعة الغضب



&&&
لقد كان المشهد فريدا من نوعه.. فلاحكومة فى البلد.. ولاأحد يعرف ماذا سيحدث .. والعالم كله يترقب الخطوة التالية .. التى لم يكن يعرفها غير علام الغيوب..

وكان الشباب الثائر يحمل كاميراته وتليفوناته المحمولة ويسجل هذه اللحظات التاريخية..سجلت انا بعضها.. وعلى يوتيوب وجدت ثلاثة افلام تسجل ماحدث اهمها فيلم 40 ميجا بايت واخر للاستاذ طارق سليمان

 لقد سجل الشباب واحدة من اهم لحظات التاريخ المعاصر فى مصر .. وبقى ان نشير الى ان الشباب قاموا بعمل معجز .. رغم انهم لم يحصدوا حلاوة انتصارهم على الاقل حتى الان ...
لقد اسقطوا صورة الرئيس السابق.. ولكن الذين صنعوا هذه الصورة مازالوا داخل المبنى العريق ..الذى يطل على واحد من اكبر شوارع العاصمة التى لم تهدأ حتى بعد مرور عام على الثورة.

                                            جريدة الرأى 9-1-2012