الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

لا تحتاج المؤسسات الصحفية القومية إلي معجزة.. لإنقاذها مما تعاني منه حالياً من أزمة مالية ومهنية تؤدي بها لا محالة إلي الانهيار.. بل تحتاج إلي إجراءين اثنين يتخذهما المجلس الأعلي للصحافة المسئول عن الصحف القومية في أسرع وقت.. وهما يتلخصان في ثلاث كلمات هي: الدمج بفكر متطور..
أما الإجراء الأول فهو الدمج الذي يتم علي مرحلتين.. الأولي أن تتخلص المؤسسات الصحفية من الإصدارات الأسبوعية والشهرية التي تشكل عبئاً عليها وينضم جميع الصحفيين إلي الإصدار الرئيسي.
والمرحلة الثانية: أن يصبح ما تمتلكه الدولة من مؤسسات صحفية قومية ثلاث فقط وليس ثماني مؤسسات.
وبالتالي يمكن علي سبيل المثال دمج مؤسستي دار المعارف والقومية للتوزيع في دار التحرير.. وروزا اليوسف في الأهرام.. ودار الهلال في أخبار اليوم.
أما الإجراء الثاني: فهو اختيار قيادة لكل مؤسسة لديها قناعة بأن المؤسسات الصحفية بشكلها التقليدي قد انتهت.. وأن طبيعة هذا العصر تقتضي أن تتحول إلي مؤسسات إعلامية تعتمد علي التكنولوجيا الحديثة.. وأن تمتلك صحيفة يومية قوية وقناة فضائية عصرية و"منصة معلومات إلكترونية" لديها استثمارات في صحافة الاس ام اس.. والفيديو والداتا بيز واظن أن هذه المؤسسات الثلاث الكبري تملك هذه الإمكانيات.. وتحتاج فقط إلي العقلية ومبالغ مالية تنفقها في دعم وتطوير البنية الأساسية.. وهذا يقتضي أن يضمن المجلس الأعلي للصحافة مرتبات جميع العاملين بتلك المؤسسات لمدة معينة لحين إتمام عمليات الدمج وما يتبعها من دخول البنوك الكبري لتمويل عمليات التطوير من خلال بيع بعض الأصول التي تشكل عبئاً علي المؤسسات كالمطابع القديمة والمباني التي صارت كخيال المآتة أصابها الإهمال وربما النسيان.
أعرف أن هجوماً ضارياً يمكن أن ينال هذه الأفكار ممن لا يملكون عقلية متطورة.. ويتمسكون بالبكاء علي الأطلال.. ويغنون بكلمات مثل التاريخ والأصول والماضي العريق.. وكله كلام لا يغني ولا يسمن من جوع.. فلا نحن نتخلص من تاريخنا ولا نقضي علي تراثنا وإنما نطور حياتنا إلي الأفضل بحيث يستفيد البشر من هذا التاريخ.. وإلا فلماذا تقوم الثورات التي تقضي علي أنظمة بالكامل وتقضي علي البشر أنفسهم؟.
إن ما يحدث في العالم من حولنا يدعونا إلي التخلص من العقلية التي لا تريد أن تتطور.. فصحيفة كبري مثل الواشنطن بوست لم تجد غضاضة في التخلص من أعباء كثيرة كانت تعوق تطورها فالنسخة المطبوعة سجلت تراجعاً بنسبة 44 في المائة بالإيراد علي مدار الأعوام الستة الماضية ولهذا باعها مالكوها صفقة بمبلغ 250 مليون دولار لمؤسس "أمازون" جيف بيزوس بسبب تراجع عائد الإعلانات وعدد القراء.
وهذه العملية هي الثالثة من نوعها التي يعلن عنها خلال الشهور الماضية وجاءت بعدما أعلنت شركة "نيويورك تايمز" هي الأخري عن بيع صحيفة "بوسطن جلوب" بخسارة مقابل 70 مليون دولار كما اشترت أيضاً مجموعة "أي بي تي ميديا" الإعلامية الالكترونية مجلة "نيوزويك".
وأظن أننا لا نبتعد كثيراً عما يحدث في العالم.

                                                                           جريدة الجمهورية     19-9-2013